العميد الركن أحمد رحال: كلنا شركاء
عندما أعطت موسكو الضوء الأخضر لحلفائها من إيران وحزب الله وميليشيات الأسد بالتوجه نحو دير الزور وخصصت جل جهدها الجوي لتغطية المعارك هناك, لم تكن موسكو تسعى لقتال تنظيم “داعش” أو التخلص من إرهابه بقدر ما كانت أعينها تنصب على منابع النفط والغاز وعلى السلة الغذائية التي تكتنزها أرض الجزيرة السورية.
المعارك في المنطقة الشرقية حتمت على غرف عمليات موسكو في سورية أن تبدأ خطواتها بفك الحصار المفروض من تنظيم “داعش” عن اللواء 137 في الجهة الغربية من دير الزور وكذلك المطار العسكري في القطاع الجنوبي للمدينة, ونجحت موسكو بتحقيق ما كانت ترنو إليه, وظن الروس أن المهمة باتجاه آبار النفط ومعامل الغاز باتت مفتوحة ومعبدة, وأن أهدافها الخبيثة أضحت في متناول اليد وهي الأحوج إليها, لأن موسكو تدرك تماماً أن إعمار المناطق التي دمرتها هو أمر حيوي وقد يخفف من غضب المجتمع الدولي ويؤجل من الحديث عن المجازر الروسية في سورية والتي يمكن أن تجر ليس بشار الأسد فقط إلى محكمة الجنايات الدولية بل حتى شريكه الرئيس الروسي “بوتين”, أيضاً موسكو تعلم أن الغرب لن يشارك بإعمار سورية في ظل بقاء الديكتاتور الأسد بالسلطة وأن اقتصاد موسكو العاجز أصلاً عن تمويل عملياتها العسكرية في سورية لن يكون بمقدوره ضخ مئات مليارات الدولارات لإزالة آثار الدمار الذي لحق بالبشر والحجر والشجر ودمر البنية التحتية في سورية, لذلك كان الهم الروسي هو البحث عن طرق للوصول إلى منابع النفط والثروات الباطنية في الجزيرة السورية.
المؤشرات الواردة من محيط دير الزور تحدثت عن تفاهمات للكبار التزم بها الصغار لكن برز بشكل واضح أن هناك تجاوز روسي لما تم التوافق عليه أدى لوقوع بعض الاشتباكات بين ميليشيات “قسد” وميليشيات “الأسد” استدعت في بعض الأماكن لتدخل الطيران كما حدث في حقل غاز “كونيكو” عندما سيطرت عليه “قسد” فقصفه طيران “بوتين” و”الأسد” بعد أن مدت “موسكو” جسراً عائماً على وجه السرعة على نهر الفرات وعبرت نحو الضفاف الشرقية للنهر لقطع طرق تقدم حلفاء واشنطن من الشمال والشمال الغربي باتجاه ريف ومدينة دير الزور.
الأمر تكرر مرة أخرى في محيط مدينة “الميادين”, فعلى الرغم من الكم الهائل من الأسئلة العسكرية عن كيفية تجاوز ميليشيات الأسد وإيران لأكثر من (40)كم من الأرض الطينية الفاصلة بين دير الزور ومدينة الميادين, فالأرتال “الأسدية” التي انطلقت من مطار دير الزور العسكري وعبرت لتسيطر على مدينة الميادين خلال أقل من (48) ساعة مع علمنا ان تلك المدينة محاطة بتضاريس وتلال حاكمة تحتاج لأشهر من القتال إذا ما تمسك بها تنظيم “داعش” وأحكم فيها خطوطه الدفاعية, ومع تجاوز كل تلك التساؤلات فقد برزت نقطة غاية بالأهمية عبرت عن تناقضات لا يملك التكتيك العسكري أي تفسيراً منطقياً لها, فبعد سيطرة حلفاء موسكو على الميادين وتقدمهم للسيطرة على الضفة الشمالية والشمالية الشرقية لنهر الفرات ودخلوا بلدة “ذيبان” وسيطروا نارياً على حقل “العمر” النفطي كأكبر حقل للنفط في سورية (ينتج 30 ألف برميل يومياً عدا عن وجود محطة توليد كهرباء ومعمل غاز بداخله), وفي اللحظة التي كان يٌنتظر فيها مشاهدة رايات إيران وحزب الله والأسد ترفرف على منشآت حقل “العمر” يشن “داعش” هجوماً معاكساً كاسحاً يستعيد به السيطرة على ما خسره سابقاً ويطرد حلفاء الأسد لمسافة 3كم عن منشآت الحقل ولتتقدم ميليشيات “قسد” وتدخل حقل “العمر” بسلام ودون أي قتال يذكر ودون أي تفسير يستطيع شرح ما حصل!!!!
اليوم تتجه الأنظار نحو معركة البوكمال باعتبارها مربط الفرس بتلك المنطقة, فعدا عن كون مدينة “البوكمال” المعبر الحدودي الأهم مع العراق فهي أحد طرفي بوابة الكوريدور الإيراني إضافة للتنف والذي يصل طهران بدمشق وبيروت, والمعلومات اليوم تتحدث عن تنسيق “عسكري واستخباراتي” عالي المستوى بين ميليشيات الحشد الشيعي والجيش العراقيين مع ميليشيات إيران والأسد لمعركة واحدة تجري رحاها في الجغرافية الممتدة بين “راوه والقائم” على الجانب العراقي ومدينة “البوكمال” في الجانب السوري (اعترف العميد يحي الزبيدي المتحدث الرسمي باسم قيادة العمليات المشتركة في الجيش العراقي بوجود تنسيق رفيع المستوى بين جيش العراق وميليشيا الأسد), وعلى الجانب الأمريكي إذا ما أراد مواجهة إرهاب “إيران” مواجهة تلك المخططات, وإذا ما أرادت امريكا تنفيذ وعودها وخطط الرئيس “ترامب” بمواجهة إيران, وكذلك مراعاة التحذيرات التي أطلقها مستشار الأمن القومي الأمريكي “ماكماستر” الذي قال: لإيران دور هدام في المنطقة, وأن للأذرع الإيرانية والعبث الإيراني دورا تخريبياً لأمن دول الشرق الأوسط والبلدان العربية وشمال إفريقيا, وأن إجراءات الرئيس “ترامب” الأخيرة سيبدأ تطبيقها من خلال “قصقصة” الأذرع الإيرانية, وأضاف: أنه من الخطأ الجسيم التوقف عن قتال حزب الله وتدخلاته في دول المنطقة (العراق, اليمن, سورية).
في ظل تلك التصريحات وفي ظل الواقع الميداني والعسكري المترسخ في الشمال والشرق السوري, وإذا ما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي الذي تقوده “واشنطن” من تنفيذ تلك الوعود والخطط فعليها بالتأكيد تغيير أشكال خارطة تحالفاتها في المنطقة الحدودية مع العراق بشكل عام وفي معركة البوكمال بشكل خاص, أي بمعنى أن تلك الميليشيات العراقية (الحشد الشيعي) وغيرها ممن تسير بالفلك الإيراني لن تستطيع ميليشيات “قسد” مواجهتها بشكل منفرد وهي المنغمسة بحرب في القطاع الجنوبي من الجزيرة السورية وعلى الضفاف الشرقية والشمالية الشرقية للفرات, وبالتالي يجب على أمريكا توجيه أنظارها مرة أخرى نحو حلفائها في معبر “التنف” وضم الفصائل المتواجدة هناك “أسود الشرقية, مغاوير الثورة, كتائب الشهيد أحمد العبدو, لواء شهداء القريتين” لزجها بتحالفها الدولي للحرب على الإرهاب ويضاف لهم الكثير من خلايا الجيش الحر النائمة في محيط دير الزور وكذلك شباب العشائر المستعدين للتضحية في سبيل أرضهم وشعبهم لطرد المحتل الإيراني وعصابات الأسد من كامل المنطقة.
في الميدانيات فالأخبار الواردة مؤخراً لا تحمل البشرى لميليشيات إيران والأسد, ففي كمين محكم استطاع تنظيم “داعش” من قتل سبعة أفراد من مجموعة “قمحانة” التابعة للعقيد سهيل حسن في محيط دير الزور, وباستغلال ناجح للرياح الموسمية “العجاج” الذي يلف المنطقة استطاع “داعش” أيضاً من تدمير دبابة والاستيلاء على عربة “ب.م.ب” وراجمة صواريخ “غراد” في موقعين للأسد في محيط مدينة “الميادين” إضافة لعدد من القتلى والجرحى التي وقعت بصفوف ميليشيات “الأسد”, تضاف تلك الحوادث إلى الغموض الذي لحق بحي القصور وهو حي داخل مدينة دير الزور وفي الجزء الخاضع لسيطرة “الأسد” وتقطنه عادة الشخصيات الرفيعة من قادة إيران وحزب الله وعصابة الأسد, فقد قامت طائرات أسدية بقصف الحي وأوقعت مجزرة بشرية بحق السكان المدنيين (22 شهيد وأكثر من 55 جريح) مع معلومات عن مقتل عدد من الشخصيات الإيرانية ظهر ذلك من خلال الطوق الأمني الذي فرضته عصابة الأسد لساعات طويلة في الموقع الذي طاله القصف (منهم من قال أن تلك العملية للتغطية وصرف أنظار الإعلام عن عملية اغتيال العميد عصام زهر الدين) , لكن عصابة “الأسد” تهربت من الاعتراف بالمجزرة كعادتها واتهمت طائرات التحالف بالجريمة الذي نفى بدوره تواجد أياً من طائراته حينها بسماء المنطقة.
إذا كانت معركة دير الزور هي آخر المعارك ضد تنظيم داعش في سورية فإن معركة “البوكمال” هي أهمها, هي الأهم لإيران وكوريدورها نحو سورية براً, هي الأهم للحشد الشيعي لدعم الأسد هناك, هي الأهم لموسكو كمنطقة استراتيجية تطل من خلالها على العراق, هي الأهم للجيش الحر لبقائه على مقربة من مدينته دير الزور وهي الأهم لأمريكا لتنفيذ وعودها في مواجهة إرهاب إيران.
نبقى بالانتظار لمعرفة من يملك مفاتيح الحسم!!!!!
العميد الركن أحمد رحال
محلل عسكري واستراتيجي
0 تعليقات على " حرب أمريكا على إرهاب إيران تبدأ بالبوكمال!!! "
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.