الأربعاء، 8 أغسطس 2018

جرثومة الثورة انس العبدة

جرثومة الثورة انس العبدة

بقلم :د.مطانيوس حبيب

علق إذا ورد المنافع ثغره            بلغ الفرات غثاءه والنيلا

أما اذا وظفته في منصب           لا يعرف التحريم والتحليلا .

يعود مولد أنس العبدة لبلدة مضايا التي تعودت كل أسرة في دمشق أن تذهب إليها يوم الجمعة بسيارتها في نزهة استجمام وتسوق ، فمضايا تحولت لسوق للبضائع الأجنبية بسبب تاريخها في التهريب الذي كان يسد حاجة السوق الدمشقي بعد تقييد الاستيراد بشكل صارم ...
تكونت مضايا من بعض بيوت الفلاحين جنب العين ، والتي بنى بجانبها الرعيان البدو القادمين من البادية للرعي الصيفي في جبالها وسهولها ... عائلتها تنقسم بين من كان أصله فلاحا مزارعا كآل عز الدين ويوسف وناصيف ... والذين كانوا دروزا أيام فخر الدين المعني ثم سننوا بعد هزيمته من قبل الجيوش العثمانية ويحتفظون ببنية قبلية بطريركية صارمة ، بينما تحمل البيوت الأخرى ثقافة الرعي الجائر ، وهكذا مع تزايد السكان تحول كل بيت لعائلة ، والعبدة لقب عائلة من هؤلاء الرعيان سابقا ... لا يملكون الكثير من الأرض ، لذلك انخرط شبابها العاطل بالتهريب ، وتعودوا حمل السلاح ومقاومة الدوريات مما جعلها من أول البلدات التي قارعت النظام وهزمته مع انطلاق الثورة ...
والد أنس كان معلما ، ولأنه متدين له علاقة بالإخوان ، وبعد صدور المرسوم 60 الذي سرح المعلمين غير الملتزمين بأهداف الحزب . غادر إلى الأردن وأخذ معه عائلته قبل حملة الاعتقالات وحوادث الثمانينات ... وكان أنس طفلا صغيرا جدا ... فهو لا يعرف ولا يذكر شيء عن سوريا ... تابع والده حياته في الأردن ودول الخليج وبنى علاقة مع التيار السلفي وصار يؤلف كتبا دينية .  وقد ساعد الإخوان أنس على السفر إلى لندن للتعلم والعمل ، بينما وظفوا أحمد في مؤسسة الجزيرة القطرية ...
عاش أنس أثناء دراسته في لندن في الوسط المتدين معتمدا على رصيد والده ، لكنه لم يكن ملتزما بالدين صوما وصلاة بل تعلم أن يتهرب من التزاماته الدينية، ولم يحصل على أي شهادة من دراسته الفاشلة ، لذلك استعرّ حبه لكسب المال من دون تعب ، وأتقن فنون النصب والاحتيال والاستزلام ، وهذا ما جعله مقربا من عبيدة النحاس مدير مكتب البيانوني في لندن في السنوات العشر الأولى من هذا القرن ...
أول ظهور سياسي لأنس عندما نظم ناشطون لقاءً للمعارضة الموقعة على إعلان دمشق في الخارج، وانتخب يومها رئيس لجنة الإعلان بالخارج عام 2006 ، وسقط مرشحون آخرون يساريون بسبب طغيان المتديين على الاجتماع الذي نظمه الإخوان ودعوا اليه ، وهذا ما جعله الشخصية الاعتبارية التي سيقدم لها تمويل الاعلان المخصص من الكونغرس الأمريكي . وقدره 5 مليون دولار تصرف سنويا للمعارضة السورية . والذي صرف أيضا للمعارضة الإيرانية 40 مليون، بعد أن طلبت كونداليزا رايس هذه المبالغ من الكونغرس . ولما كان من ضمن البرنامج تأسيس محطة تلفيزيونية فضائية للمعارضة السورية تبنى هو شخصيا القيام بذلك واستعان بالخاني لعدم خبرته ... وهي محطة بردى التي لم تشتغل ولم تبث إلا ساعة واحدة تجريبيا .
وصول المال ليديه جعل الكثير من الانتهازيين والمنتفعين يلتفون حوله ومنهم أحمد رمضان ، فلندن هي حضن الإخوان الأساسي حيث ترعاهم المخابرات الخارجية البريطانية ( MI6 ) وهي التي رعت تأسيس هذا التنظيم منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية ليحارب التيار القومي العربي، ويضعف حزب التحرير الإسلامي السلفي الذي زرع بذرته السلطان عبد الحميد الثاني كحركة تحرر في الولايات التي سلبها الاستعمار البريطاني منه كمصر والباكستان وغيرها . فالمخابرات البريطانية العريقة تعتمد مبدأ التنازع البيولوجي بين الأنواع، فتزرع العدو الطبيعي لأي ظاهرة تريد اضعافها كأرخص وأسهل طريقة ... ولما كان فريق حافظ الأسد هو فريق تابع لذات الجهاز  قد كلف بالسلطة بدلا عن الفريق التابع للمخابرات الأمريكية ( CIA  ) أي فريق صلاح جديد القومي السوري المدسوس في البعث ،  بحركته التصحيحية المجيدة !!! ولما كانت أجهزة المخابرات في لندن هي مرجعية كلا الطرفين المتنازعين: نظام الأسد القومجي والإخوان الديني ، ولما كان بشار الذي سهلوا له وراثة والده قد درس فيها ، وهم من اختاروا له زوجته أسماء ، التي تعمل مع منظمة الآغاخان التي هي واجهة لجهازهم الاستخباراتي في العالم الإسلامي ... لذلك لم تعترض MI 6  على قيام علاقة بينهما وتواصل وتنسيق بين جماعة الإخوان والسفارة السورية في لندن ، وهذا هو سبب توقف المحطة وافشالها بعد تواصلات سرية معها رعاها النحاس ورمضان وسار بها العبدة .
طبعا تملك ال MI6  داخل حركة الإخوان شبكة وكلاء مرتبطين يعملون بتوجيهاتها ، فقد كان السفير البريطاني جون يهتم شخصيا بأنس ويزكيه دوما ويسميه ابن بلدي ، وأنس هو من رتب لصديقه أحمد طعمه عندما كان رئيسا للحكومة تلك العلاقات المميزة مع الخارجية البريطانية ، بينما ما يزال محمد سرميني صديق وحليف أنس حريصا على تقديم تقرير شهري للسفارة البريطانية في عمان بالرغم من كونه يعمل مع المخابرات التركية . فشخصية المندوب المأجور عادة تفتقر لأي مبدأ أو عقيدة ، وهذا ما يجعل مخابرات الدول تهتم بهذا النوع من الشخصيات وتستعملها، وتستبعد كل من يظهر فكرا والتزاما كونه غير صالحا ... وهذا ينطبق أيضا على شخصية أحمد رمضان الذي يبني علاقات جيدة مع أكثر من جهاز استخبارات لدول في حالة عداء ... يتنقل بين لندن وبيروت واستانبول وطهران وجده والدوحة دون أي حرج ، ومن دون أن يشعر بأي تناقض داخلي ، فداخله كداخل أنس لا يحتوي على أي مبدأ أو عقيده . دينه مصالحه ومعبوده المال والنفوذ وأقصر طريق لذلك عند من لا يملكون المؤهلات هو الاستزلام لمخابرات الدول التي هي الصانع الأساسي للسياسات فيها ... هكذا ... تكاثرت شخصيات من دون طعم في مؤسسات المعارضة لكون تلك المؤسسات قد صُنعت بيد مخابرات الدول، وليس من قبل الشعب الذي استبعد عن عملية تشكيلها أو محاسبتها ... وهذا ينطبق على طعمه وأبوحطب وغليون وصطيفو وسيدا وجاموس وصالح والورد والبحرة والحريري ومحاميد والفهد ووووو   الذين تواجدو فجأة ومن دون سوابق في تلك المؤسسات ولعبوا الأدوار القيادية فيها .
أنس انسان غرائزي شره جدا للطعام والمال والجنس ، وهو لا يوفر أي فرصة تتاح له لدرجة أنه لا يصوم رمضان ولا يصلي ولا يحرم ولا يحلل ، وليس عنده أي منظومة قيم يجبر نفسه على التقيد بها ، وذلك تمردا على صرامة والده ( معلم ومتدين وتقليدي محافظ ) الذي يبدي دوما عدم رضاه عنه ويعتبره ولدا ضالا بعد أن أفلت من سيطرته ، ولا تربط أنس علاقات غير علاقات المنفعة الخاصة ، ومستعد دوما لبيع أي شيء وفعل كل ما يوفر له متعه واحتياجاته ، فهو اقل الشخصيات اهتماما بالأمور المعنوية ، ولا يعرف الخجل ولا الحياء ، ولا يعرف بلده ولا وطنه ولا يتواصل مع أقربائه حتى ... فأناه العليا هي هواه وغرائزه ( أي بالتحليل الفرويدي هو انسان ذو طبع فوهي نموذجي تثبت عند المرحلة الفوهية التي تسيطر على الطفل الرضيع قبل دخوله المرحلة الشرجية التي يحاول فيها ضبط نفسه ومعصراته البرازية والبولية كبداية لضبط سلوكه ، الذي يخضع فيما بعد لأنا عليا مراقبة متشكلة بالتربية تسيطر على النفس ) فهو محروم من هذا الجهاز النفسي الهام الذي يتميز به الإنسان السوي ، أي القلب بلغة الدين  والضمير بلغة العلم . 
بعد الثورة دخل مع رمضان في الكتلة الوطنية والمجلس الوطني ثم الائتلاف ، وقد هندس بشكل خاص بالشراكة معه الوثيقة الكردية ، وكذلك أيد وساعد في موضوع التفاوض مع النظام في جنيف ، وكان موجها ومديرا لأحمد طعمه عندما كان رئيسا للحكومة ، الذي كان من أهم المقربين إليه أنس ونحاس ورمضان والسرميني والذين فتح لهم صندوقاً خاصاً سماه صندوق الطوارئ ليصرفوا منه ما يريدون ... ولم يختلف أنس مع أي فريق سيطر على المجلس وحافظ بسبب عدم امتلاكه لأي مبدأ على علاقة جيدة مع الجميع ، فهو ليس له عدو لأنه ليس لديه مبدأ ولا موقف من أي شيء، المهم مصالحه الخاصة التي تتطلب استمرار تواجده في مكانه ... فأي شيء وكل شيء ممكن بطريقة براغماتية بطريقة تجعله يشبه المتحول الزحاري ... تلك الصفة التي طغت على من تبقى في الائتلاف الذي استقال منه تباعا كل من لديه حد أدنى من الثوابت ... فلم يتبق إلا المتحولين المتطفلين الذين لا مبدأ ولا قيم ولا فكر ، والذين أعطوه صورته التي يعرفها الشعب جيدا ... و يستقبلهم في المناطق المحررة بالأحذية وكشاشات الذباب لكراهة شكلهم ونتانة رائحتهم ... إنهم طفليات الثورة وعلقها وطحالبها وضفادعها الذين يشكلون اليوم قادتها ومؤسساتها ويكتبون دستورها ...
هؤلاء لم يعارضوا النظام لأنه فاسد بل لأن النظام لم يشركهم في فساده ، ولم يعارضوا النظام لأنه مستبد إلا لأنهم يريدون هم الاستبداد بغيرهم ، توضيح صورة وتكوين هذه الشخصيات من خلال دراسة أفعالها ، هو الذي يوصلنا لنتائج تفيد في معالجة هذه الظاهرة المقرفة ومنع تكرارها في مسيرة نضال شعبنا من أجل الحرية والكرامة والتقدم ، وضد الفساد والاستبداد المتكرس في الثقافة السائدة التي تتكون عليها الشخصيات وتحدد أنماط السلوك ، فالثقافة ومنها الأيديولوجيا تصنع أمثلة ونماذج يقلدها الباقون ، والأيديولوجيا هي آلية لتحقيق المصالح مرتبطة بالقيم ، فإذا كانت الطريقة المشروعة لتحقيق المصالح الفردية هي الاستزلام والرشوة والتجسس واللصوصية فغالبية الناس الذين لابد سيسعون وراء مصالحهم سيصبحون لصوصا ومخبرين ومختلسين ، وهذه هي أيديولوجيا النظام ( فالأيديولوجيا بحسب تعريف ماركس هي الرابط بين المصلحة والفلسفة ، فهي آلية تحقيق هذه المصالح ونظامها المعياري ) أما اذا كانت الطريقة المشروعة لتحقيق المصالح هي الأمانة والعمل والنزاهة والاتقان ، فعندها سوف يتعلم معظم الناس الباحثين عن مصالحهم ذلك ويجتهدون به من أجل ارتفاعهم في سلم الثروة والسلطة، التي من الطبيعي أن يتنافس عليها البشر ، أي أن الموضوع  في أي أيديولوجيا يؤسس عليها النظام السياسي هو أين تضع الجزرة أمام الحمار ليركض وراءها نحو الأمام ، أم فوق ذيله ليركض بك نحو الخلف ... ماذا نقول إذا كانت جزرة حمار الثورة في طيزه أجلكم ، هل ستسير نحو الأمام .... قديما قالوا من كان الديك دليله فإن القنّ مأواه .
نبحث ونتقصى ونحلل وننشر أملا في أن يخجل هؤلاء ويستقيلوا ويكفوا أذاهم ، بعد أن شاهدوا أنهار الدماء الطاهر تنزف من شرايين أبناء شعبهم المنكوب ، ولكي لا يكرروا مقولتهم الشهيرة إللي جابنا بيحاسبنا ؟ فما وصلنا إليه هو نتيجة طبيعية عندما يتسلم شخص مسؤولية وهو غير كفؤ لها ، أو يحصل على سلطة غير مراقبة وغير منضبطة بنظم ومعايير صارمة ... نحن ندفع ثمن صراع  سلطة غاصبة مجرمة ، ومعارضة منفلتة من أي معايير وقيم ... لنتعلم أن السياسة هي فن بناء الدول والنظم والمؤسسات العامة ومن دون إدارة ونظام لا يكفي مجرد الانتماء الديني والقومي والعقيدي ... الدول المتقدمة حققت نجاحها لوجود انضباط ونظام يطورونه بحسب التجربة ، والرقيب والحكم هو الشعب الذي ينتج السلطات التشريعية والتنفيذية ، وكل طريق آخر لبناء الدول هو طريق لبناء سجن عبودية سرعان ما ينهار ويتحول لفوضى متوحشة ... يتبع مع أحمد رمظان أنجيليناجولي المعارضة السورية .
0 تعليقات على " جرثومة الثورة انس العبدة "

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

المشاركات الشائعة